الاثنين، 20 أكتوبر 2008

الفصلين الاول والثاني من روايتي الجديدة


رجل في الأرض
امرأة في السماء

رواية
أحمد عامر





















ـــ0 ـــ
دمعة يتيمة محبوسة في عيني اليمني ، قلبي يتمزق ، الأشجار من حولي تتراقص علي فحيح الثعابين ، الدمعة تتشبث ، القلب يتمزق ، لم يعد قلبي يتسع لهذه الأرض ، ارتفعت المنازل الخراسانية ، صوت المنادي أصبح غريبا عني ، لم أعد أري الأشجار الخضراء ، فوق كل منزل زرع صاحبه ( دِش ) ، العيون أصبحت مستعدة للمراقبة ... الأصوات متداخلة ،هتاف للبطل الذي نجح في إحراز
هدف ، هتاف للبطل الذي طرح خصمه أرضا ، هتاف للبطل الذي فاز بتقبيل البطلة واصطحابها إلي السرير ، هتاف للمطربة العارية ، بكاء علي طفل يُقتل ،الأصوات المتداخلة شقت قلبي ، أبحث عن الأرض ..عن الأشياء التي تخصني ، لم أجد غير جسدي الذي يتحرك بين الأجساد ، أصابعي التي تعمل علي لوحة المفاتيح بمهارة وأنا أكرر باحثا بين غرف الشات
:ـ ممكن فتاة محترمة للتعارف الجاد ؟
لم أجرب مرة واحدة ، وأبحث عن قريتي بين القرى ، ابحث عن رائحة الزرع ، عن الرجال ... الرجال ، عن عبير التي أحمر وجهها عندما قلت أحبك .
.................
:ـ أسمي حنان
:ـ عمرك ؟
:ـ 14
:ـ من أي بلد ؟
:ـ ليبيا
جسدي تخلص من القلب .. يبحث عن جسد ضال .. يريد أن يسرق حقه .

*****
لمح حارس الأمن الأوراق في يدي .. ابتسم ثم ابلغني بأنه لا يوجد بالشركة عمل
.. ويبدو أنه لمح الدمعة اليتيمة في عيني اليمني فقال بابتسامة
:ـ تعال الأسبوع القادم ربما !
هو نفس الزى ونفس الابتسامة ونفس الجسد ونفس الابتسامة تنتظرني علي أبواب المصانع والشركات والحقول ... هي فقط التي تركتني يتيما ... أحسد العصافير علي الفضاء .. هو هو صوتي المتقطع الذي يبعثر اسمها في الفضاء ... عب ...ي..ر ، تسقط الحروف فوق رأسي حزينة ، صوت أبي يخترق أذني اليسري " أصبحت مثل الثور تستطيع جر ساقية .. ابحث عن مستقبلك " تكاد الدموع أن تخونني " لم يعد هناك مستقبل يا أبي ولم تعد هناك سواقي ، هناك ماكينات تقتل الصمت وتغتصب الفضاء وهناك أيضا كيماويات ومبيدات مسرطنة أكلت كبدك وكليتك .
غرفة الشات تجذبني إلي صدرها الحجري
:ـ " ممكن فتاة للتعارف الجنسي ؟!
هل خلقت من هذا التراب الملوث بالكيماويات ؟! ألهذا السبب خلقت بقلب مريض وجسد مشوه وعقل لا يعمل ؟.
********
النياشين علي الحائط الخراساني باهتة رغم محاولات أمي اليومية لجعلها تعكس أشعة الشمس ، أخشي أن أدوس تاريخ أبي ... أن أصنع شرخا في حكايات جدتي ، أميل إلي الأمام .. إلي اليمين ... إلي اليسار ...... أبصق علي نفسي ، أدفع جسدي وسط الأجساد التي تتزين بملابس شبه عسكرية ، أمني نفسي بصيد ثمين ، لن أقبل أقل من ساق ناعمة مكشوفة ، ذراع يحي الرجولة ... أبحث عن انتصار أحققه لجسدي الثائر ، أبصق علي النياشين ( لك النياشين يا أبي .. حاربت من أجل هذه الأرض التي تلوثت ... دعنى أحارب من أجل جسدي .. من أجل صورة عارية ) .
*******
تظهر الكلمات ملونة وكبيرة وملفتة للنظر في غرفة الشات
:ـ " ملعون أبو الحكام العرب "
ابتسم، أصابعي تسرع
:ـ ممكن فتاة ... أي فتاه .. للتعارف الجنسي "
قلبي يدق وأنا أراقب الغرفة .. كاد قلبي يتوقف وأنا ألمح
:ـ ممكن
يدي اليسري وحدها تتحرك بسرعة ... اليمني تجذبها .. حكايات أبي تحوم حول عقلي " الحرام حرام " يدي اليسري تقاوم .. اليمني تجذب أكثر ، عقلي يدور بسرعة مذهلة ... جدتي تحدثني عن الصبر والجائزة الكبرى .. أبي يزوم ... أمي تبكي ، تفلح يدي في الوصول إلي لوحة المفاتيح .
:ــ ممكن علي الخاص ؟
:ـ ممكن
******
يا حبيب ازرع شجرة تثمر لك ولأحفادك ... حاضر يا جدتي .. يا حبيب النظافة من الأيمان ..حاضر يا أستاذي ... يا حبيب العلم سلاح في يدك ينفعك في معركة الحياة ... حاضر يا أبي يا حبيب الأخلاق والأدب ينفعا صاحبهما ... حاضر يا أمي ... يا حبيب الإنسان موقف .. حاضر يا خالي ... السلام خيار استراتيجي ... حاضر سيادة المذيعة ... يا حبيب يا يا يا يا ... حاضر ... حاضر ... حاضر ...)

********
صدر المذيعة جعلني أثبت قناة الأخبار ... تتحدث عن السلام مع إسرائيل .. عن القضية الفلسطينية ... غزو العراق .
أتنهد " حرام مُزة مثل هذه تقدم هذه الأحداث العنيفة .. هناك ما هو أعنف من هذه الأحداث يتم فوق الآسرة
الابتسامة تحتل وجه أبي
" انتصرنا في 73 بسبب الإيمان والقوة ... جيل فاسد لا يستطيع الانتصار علي ذبابة ..." . لساني يحاول مغادرة وكره ، أضغط عليه بأسناني ، يحاول ، أضغط ، الكلمات تتسرب إلي أعماقي " لسنا في حاجة إلي حرب ، نحن نسرق حقوقنا بأقل الخسائر " . تغيب المذيعة وتنطلق المطربة العارية من يمين الشاشة ... ساق مكشوفة إلي ما فوق الركبة بمسافات ... تمرر يدها اليسرى علي نهدين تحررا وتنطلق يدها حتي تصل شفة تهزم المتماسك .
يصرخ أبي :ـ غير هات قناة اخباريه ... ايه الخيبة دي .. جيل فاسد ... فين الغنا ؟ الله يرحمك يا ست ......
قلبي يدق بسرعة زائدة ، الصوت يتمدد داخلي ، أوشكت علي الانفجار ...
:ـ ست ايه يا راجل ... وقناة إخبارية اية .... كلام في كلام ... ايه اللي أتغير ؟! ولا حاجه قاعد جنبك اهو من غير شغل ... سبني أسرق بصه تنفعني .
******
أشير بإصبعي ناحية الأرض الخربة ، عيني تصطنع عدم الرؤية ، يدي لا تتحرك ، هذه الأرض كانت لقومي ، يزرعون القمح والذرة والبرسيم ، بيوتهم من طين الأرض الدافئ ، كانوا يزرعون فقط ثم ينتظرون الرجل الأنيق الذي يأتي من البلاد البعيدة التي لا تعرف شيئا عن الطين والجوع والليالي المظلمة ... أبي يحكي .. يقول جدك ورثني الحكي ... أحاول أن أقاطعه وأستأذن للخروج .. طارق ينتظرني بالمقهى .. صوته يرتفع أكثر
:ـ وكانوا الإنجليز في كل مكان بينهبوا ويهتكوا الاعراض
مالي ومال الإنجليز والباشوات ، يا أبي أتركني أذهب إلي طارق .. استطاع أن يحصل علي فيلم جديد لأناس عراه ... هو ينتظرني علي نار وأنا متحمس جدا لهذا لمشاهدة هذا الانتصار الساحق ... يصرخ
:ـ أنا شاركت في حرب 73 وجدك شارك في حرب 48 تقدر تقول لي عملت ايه في حياتك ؟
:ـ أنا شاركت في تسوية الفول والعدس لمده سنه في الجيش
يبصق علي وجهي ، أضحك ، أخرج مسرعا قبل أن يعرقلني صوته ،الباب يصرخ خلفي ، جسدي يسرع إلي المقهى ، أستعيد صدر مذيعة الأخبار ، يجذبني طارق من يدي .. أجلس مستسلما
:ـ فين الـ cd
:ـ اسمعني الأول
:ـ أيه ؟!
:ـ حنروح أنا وأنت بكره حزب المصري الجديد
:ـ خير أن شاء الله حنشتغل في السياسه ؟!!!!
:ـ لا يا غبي حندخل الحزب وبعد فتره نطلب أنهم يشغلونا ولو بوابين
:ـ وأخبار الــ cd
:ـ تمام
جذبني من يدي إلي غرفته النائمة فوق السطح ... المسافة تطول ، جسدي يطير فوق الرؤوس ، العينان تستعدان للمعركة ، أتجاهل صوت المؤذن بإشعال سيجارة ، صوت التلفاز يغزو غرفتي منطلقا من غرفة الجيران " كيف تصبح مفيدا لدينك ولمجتمعك " يبحث طارق عن كوب نظيف ، يجمع حبات الشاي المستعملة من قبل وكان قد وضعها فوق غلاف كتاب (وصف مصر) كي تجف من جديد ، يرتفع صوت الشيخ " الالتزام بتعاليم الدين ، طاعة الله ورسوله ، عدم الانشغال بالدنيا الفانية وأغراءاتها وفتنتها ... يا جماعة الإنسان بيعيش في الدنيا ولو طال عمره فهي حياة قصيرة أما الجنة فهي الخلود والنعيم "
طارق يبحث عن زجاجة بها ماء نظيف ، أبحث بين الأوراق المبعثرة علي الــ cd ، أراقب المارة من النافذة ، المؤخرات تهتز تحت ملابس ضيقة فقيرة ، عيون تبحث عن إشارة تأتي من خلف زجاج سيارة فارهة ، يد تمر فوق شعر مصبوغ ، أجبر بصري علي العودة إلي الداخل .... أتجمد ... من بعيد أراقبه عبر شاشة التلفاز القديم بغرفة جيران السطح ... وسيم يرتدي بدلة، الجالسون أمامه يرتدون ملابس أنيقة ، يتحدث عن التوبة ورحمة الله الواسعة ، عن العمل للآخرة "
صفعني صوت طارق
:ـ أسمع يمكن ربنا يهديك
أرسلت بصري في رحلة قصيرة للبحث عن الـ cd ، عقلي يدور بسرعة مذهلة
:ـ لو أمتلكت بدلة والمقابل الذي يحصل عليه من هذه الحلقات لزهدت الدنيا وما فيها .
بيده يخبط طارق صدري وبالاخري يناولنى كوب الشاي المر ، يبتسم
:ـ ايه الجديد ؟
أفتش في رأسي ، أهز النخيل العالي ، أجري بين الأشجار ، مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء ، الماء من حولي يفيض ، هواء نظيف يحاصرني .
هزني بقوة " ايه رحت فين ؟!
:ـ أبدا
وضع أمامي استمارة الحزب ، أشار إلي القلم ، كوب الشاي يتراقص ، أسمي يلوث الاستمارة ، تاريخ ميلادي غير مرتب ، مؤهلي يضحك ، تتوقف يدي عند
" خبرات وقدرات يمكن توظيفها في الحزب ، أهمس
" أكتب بواب "
ضحك وهو يفتش داخل الفراغات الكثيرة عن حروف ضالة ويذكرني بكوب الشاي 0


( - 1 )
رمح مسنون ينطلق من أعلي قمة جبل مصوبا إلي قلبي ، أهرول ، أسقط ، أنهض ، أبي خلفي بعصاه الغليظة ، العيون تحاصرني ، أسقط ، أنهض ، مازال خلفي ، الظلام يحتل قلبي ، العيون تقترب أكثر ، جسدي يتعرى ، العيون تمزق جلدي ، العصا تلتهم لحمي ... تعزف علي العظام ، أسقط ، العيون تلاحقني ، الحقول تتواري ، المباني الخرسانية تحاصرني ، أمد يدي إلي الفراغ ، إلي الأسلاك المعلقة ، تجذب يدي بقوة ، أهمس " عــ ..بـ ..يـ ر " تغلق فمي بيدها البيضاء ، أسير إلي جوارها ، تجفف دموعا كادت تسقط ، تزيح الليل بابتسامة صافية ، تنادي علي الورد فيستجيب لصوتها الرقيق ، تترك يدها في حضن يدي ، نسير فوق أرض جميلة لم تمسها قدمي من قبل ، تغني فترسل المخلوقات سمعها الي مصدر الصوت العذب ، يسقط من رأسي أبي والرمح المندفع ، هي الان معي وهذا يكفي ، أهمس " أحبك " يحمر وجهها ، ترسل بصرها إلي الأرض ، يدها الناعمة تنسحب من يدي 0
*******
أندفع الباب بقوة ، تحرك جسدي بسرعة ، النوم مازال يحوم حولي ، لم أتبين محتوي الحجرة ، بصري مشوش ، الأشياء تتراقص أمامي ، طارق يبدو كمارد مبتسم ، ، جسده يهتز ... يصرخ
:ـ كمان سايب الكمبيوتر شغال ونايم ؟؟!!!
أنظر إلي الشاشة ، حجرة الشات مزدحمة ، الحروف تتغير ألوانها وأحجامها
:ـ ممكن فتاة خليجية للتعارف ؟!!!
يذكرني طارق بموعد الحزب ، أغلق الجهاز ، أبحث عن بقايا خبز ، أبتسم ، أقبل يدي ، يسألني طارق عن سر اختفائي ليلة أمس ، أبتسم ، أحاول أن أطرد النمل الذي يسرق خبزي الجاف .
:ـ كنت معاها
:ـ مين ؟!
:ـ عبير
أقبل يدي ، يضحك ، يلقي باستمارة الحزب فوق الكتب المبعثرة ، يتحسس بقايا الفول بأصابعه ، أبحث عن علبة الثقاب ، صوت الشيخ الوسيم مرتديا البدلة الأنيقة ينطلق قويا من غرفة الجيران المهدمة ... يتحدث عن الصبر والطاعة ، طارق يرسل سمعه إلي الصوت ، أبحث عن علبة الشاي ، ماتبقي من السكر ، أجمع ما أجده من قطع الخبز
:ـ يا جماعة الصبر ده شئ جميل جدا ... شوفوا سيدنا رسول الله كان بيعمل ايه .....
يهمس طارق " ناوي علي ايه "
:ـ حروح معاك الحزب
:ـ وبعدين ؟!
:ـ ابدا فاضي بعد كده .
:ـ أنا حروح أقدم في برنامج اللغة الإنجليزية ، مش معايا ؟!
أضحك أتذكر أمي ، كانت تداري ضحكتها ، تربت علي كتفي ، تحكي عن ضفدعة كانت تشكو من ضعف بصرها فذهبت إلي الطبيب فخلع عينها المصابة وعندما سألته هل تأتي إليه مرة أخري قال لها " إذا كان عجبك الحال أبقي تعالي "
أمد إليه يدي بمظروف أصفر قديم
:ـ ايه ده ؟!!!!
:ـ دي شهاداتي تشتريها بميت جنيه ؟
يضحك ، يكاد يسقط ، يتابع ببصره من الباب الموارب بنت صاحب الحجرة المجاورة ، بنطالها الضيق الباهت ، شعرها يتراقص مع الريح الخفيفة ، ذراعها الأبيض العاري ، صوت الشيخ الوسيم يغزو حجرتي ، أجمع الأكواب المتسخة ، أبصق من النافذة متفاديا الأجساد المتحركة .
*****
أترك يدي يا طارق ودع العيون تراقبك وحدك ، جسدي لم يعد يطاوعني علي الصبر وعقلي يبحث بين الكلمات عن الصدق ، أتركني هنا وحدي ... أنا علي يقين بأنها سوف تأتي وتحيي ما مات مني ، هل أنا ميت يا طارق ؟! هل أنا حي أرزق ؟!! ... أتركني لحكايات أبي ، للأيام السوداء التي أعيشها ... فقط أتركني .
******
أرد يدها برقة " لا يا أمي معي " تدفع يدي ، يدها تحفظ الطريق إلي جيبي الخالي ، أبي يراقب عن بعد ، أحول بصري عنه ، أنظر إلي الأرض ، تجذبني من يدي تجلسني علي الأرض ، تضع أمامي الطعام ، تهمس " كُل " مازال يراقبني ، المر يحتل حلقي ، يكاد يبكي وهو يراقب الجرافات تهدم منازل الفلسطينيين ، يكاد يبكي وهو يراقب الكرة تبتعد عن شباك الفريق المنافس للمنتخب القومي ، أمد يدى إلي الخبز الجاف ، نظرته توقف يدي ، تنزع الملابس عن جسدي ، أبحث عن حضن أمي يسترني ، عن الدفء بجانب عبير ، أهرب ببصري ، مازالت نظراته تطاردني ، كلماته مندفعة نحوي .
:ـ أنت لقيت شغل ولا لسه ؟
" أيوه "
" فين أن شاء الله " ؟!
" في شركة "
ينصرف الي الشاشة ، يراقب السياسي الكبير ، يتركني ويتوحد مع الصوت المرتفع ، أمي تشير إلي الطعام ، أبعده عني ، تشير كاتمة صوتها ، أهز رأسي ، يراقب باهتمام ، أبعد الطعام عني للمرة العاشرة ، تخفي أمي دموعها ، أريد أن أتوسد فخذها ، أترك دموعي تبلل جلبابها الأسود وهي تنظر إلي اللا شئ وأصابعها تمشط شعري ، تنطلق دموعي غزيرة ... تروي الأرض ... تغسل جسدي المرتعش .
صوته أطاح بالحلم بعيدا ، يبصق ، يراقب السياسي الأنيق باهتمام ، الابتسامة لم تفارق السياسي الوسيم " نحن جميعا ننتظر قرار مجلس الأمن ثم نحدد موقفنا " ، ينظر ناحيتي بقرف ظاهر ، أنهض ، تنهض أمي هي الأخرى .
*********
" هذه هي الأزمة الحقيقية ، عدم سماح السلطة بتواجد أحزاب فاعلة ، لابد من ديمقراطية سليمة وأن يُسمح للأحزاب بممارسة الدور الرقابي وحق محاسبة المخطئ ، مركزية السلطة تؤدي إلي مزيد من الفساد والديكتاتورية ....
أهمس إلي طارق
:ـ مين ده ؟
:ـ أمين عام السياسات بالحزب .
أتابعة باهتمام مصطنع ... يكاد الكوب يتحطم في يده ، صوته يرتفع أكثر ، تصفيق حاد ، هتاف ، أتلفت حولي ... ملابس رثة لرجال المرض يسكن أبدانهم يجلسون بالمقاعد الخلفية ، ملابس نظيفة ومكوية بعناية تجلس بالمقدمة ، أكواب العصير تخترق القاعة قاصدة المقدمة ، أبتسم مع ابتسامة أمين عام لجنة السياسات .
:ـ الشباب قوة ومستقبل هذا البلد والأعداء يدركون هذا جيدا وهم يعملون علي مخططهم المُحكم لتدمير هذه القوة ... وحكومتنا تساعدهم من أجل البقاء علي رأس هذا البلد ... عن طريق الأعلام المضلل ونشر الأفلام البورنو بين الشباب وشغلهم بالكرة والمظهر .....
أبتسم أتذكر الـ c d ... البنت كانت قوية .. بشرتها بيضاء .. شعرها أصفر بلون الذهب .. ضحكاتها استطاعت أن تزيل بسهولة الألم الساكن رأسي منذ زمن بعيد .. استطاعت أن تضاجع خمس رجال في وقت واحد و ...
:ـ أنت وصلت لحد فين ؟!!!
جذبني طارق ، صافحنا الدكتور بحرارة ، تركت طارق يمتدحه علي مهل بينما كنت أعمل علي خطتي المحكمة لسرقة دجاجة من الخمس دجاجات التي تملكهم جارة السطح ... أسأل الدكتور عن العظيم الذي كان يطالب بإعادة توزيع الثروة علي الشعب ... يبتسم ... يداري ساعته الذهبية بوضع يده داخل معطفه الثمين بإصبعه يدفع قلمه الفضة ليسقط في قاع الجيب العلوي ، يجذبني طارق معتذرا للدكتور وأنا أحاول أن أتبعه .
******
هذه يدي يا طارق خذها معك إلي أي مكان ، ستجدني خلفك بلا أرادة ،نحاول معا رغم أن النهاية حتمية ومعروفة ... ننتهي إلي طريق الصفر ...دعاؤك يا أمي أن لا نهبط عن الصفر ... دعاؤك في ساعة تكون فيها أبواب السماء مفتوحة علي مصراعيها فقط أحتاج الدعاء .
*****
يعزف ماجد علي الباب لحنا موسيقيا صاخبا ، يدفع الباب .. يصيح بصوت مرتفع " حبيبي " أضحك ، يصافحني بحرارة ، يشعل لي سيجارة وله أخري ، ينظر إلي شاشة الكمبيوتر باهتمام ، الشات مزدحم ، الألوان متداخلة ، الإنجليزية تعانق العربية ، يدي تتحرك بسرعة مذهلة
:ـ " ممكن فتاة محترمة للتعارف الجاد "
يضحك ، يخبط كتفي بيده " الدنيا يا ابني أكبر من الشات "
أضحك " هي دي دنيتي "
يضحك بصوت مرتفع يزيح يدي من مكانها ،يبحث بين محتويات الكمبيوتر عن أغنية رومانسية ...أيقن أنه كان معها ... زهرة .. يحكي ماجد عنها دائما ، يسرق ساعات النهار القصيرة ، يترك حجرة أسرته في مكانها فوق السطح ويقف بجوارها أمام نهر النيل ، يرسل حبه مع المياه الجارية ، يرسما مستقبلا أخر بألوان جميلة ، أشكالا تليق بسن العشرين .. شقة بالطابق الثالث .. ثلاث حجرات وصالة ، الأثاث ، أسماء الأولاد .... البنت اسمها نرمين والولد أسمه خالد ... أمام الاهرامات كان يشعر بأنه حفيد الفراعنة وفي القلعة يري نفسه صلاح الدين وهي كانت تصفه بالفارس ، فقط كان يمر من أمام كنتاكي مسرعا وهو يحاول إقناعها بضرورة مقاطعة البضائع الأمريكية ويلعن الغزو الثقافي متحسسا جيبه الخاوي ... ينظر إليها ممتدحا غطاء رأسها الأسود تبتسم ... يحكي
" كنا فين .. كانت الأول بالبنطلون والشعر السايب ... ربنا يهدي الجميع ... شوف الحب بيعمل ايه ؟ مش الشات !!!
أفتح صفحة الشات مرة أخري أبحث بين العناوين عن عنوان يحمل اسم أنثي ، أكرر البحث بلا ملل ، الكلمات الكبيرة المزعجة تعود مرة أخري
" لمعرفة ما تفعله القوات الأمريكية بالعراق .. ادخل علي هذا الرابط "
" لمساندة حسن نصر الله ادخل علي هذا الرابط "
" للرد علي الرسام المسيء للرسول ..أدخل علي هذا الرابط "
أبصق علي الشاشة .. مالي ومال القوات الأمريكية وحسن نصر الله والرسام و....
أين هي ؟ ألا تعرف أني أنتظرها هنا ... ؟!!!
يضحك ماجد :ـ أنزل الشارع اللي بتدور عليه مفيش أكتر منه .
أضحك بصوت مرتفع جدا :ـ يا حبيبي اللي في الشارع عايزين فلوس
:ـ أه يعني عايش في الوهم ببلاش
:ـ عندك حل مجاني
يغلق الأغنية ويترك الكلمات الملونة تهرول مسرعة .
**********
يمد الرجل البدين يده بمجموعة من الأوراق الملونة ... أحاول أن أتصفحها ... يصيح بصوت أمر " وقع هنا " يشير بإصبعه إلي أسفل الورقة وينقله سريعا إلي الخانة المكتوب بجوارها المرتب 650 جنيه مصري ، ينظر ناحيتي ويكمل " ده ع الورق هتاخد 350 احمد ربك " يصيح طارق " وقع " أنظر إلي الرجل البدين الأنيق .. أسأله بصوت ضعيف
" إيه الأوراق دي كلها ؟!
:ـ ضمانات الشركة والعهدة !!!
يصيح طارق في وجهي
:ـ أمضي باين عليك فقر مش وش نعمة !
يدي تسرع ، عقلى يعمل 100 جنيه إيجار الحجرة 100 دواء أمي المريضة 25 جنيه كهرباء ومياه 30 جنيه للمواصلات 60 وجبة إفطار 90 جنيه وجبة الغذاء 60 للعشاء ، لا يهم تخفيض وجبة الغذاء أو إلغاء العشاء 20 جنيه أقساط الملابس 10 جنيه لرحلة العودة الأسبوعية 525 جنيه ، كدت أبكي ، أسمي يلوث الأوراق الكثيرة ، يصيح الرجل الأنيق " سوف تتولي حراسة البرج رقم 52 " يهمس طارق عند الباب " طبعا حتجيب للحاجة حاجة كبيرة من أول مرتب "
كدت أسقط علي الأرض .. الضحكات تمتطي الدموع .
*******
دموع كثيرة أنفقتها وصبر طويل لم أعد أتحمله وسنوات كثيرة مضت وأيام متشابهة أموتها ولا شيء يتغير ... فقط أنتظرها هنا حين يضاجع الظلام هذا الكوكب اللعين ويختلي الإنسان بنفسه ويُخرج حصيلة ما جمعه من مواقف ويبدأ في تفسيرها وفق إرادته ...أكون منشغلا بالبحث عنها ، أبحث عن رائحتها ، عن ابتسامتها ، عن خجلها واحمرار الوجه ، أقول "أحبك " حتى يحمر الوجه خجلا وتنظر إلي الأرض البعيدة ويحتل الصمت الكون .. فقط لا أملك إلا الانتظار 0